الإبداع واستراتيجيات التنوير
لقد عرف حقل الابداع تطورا كبيرا في العقود الأخيرة نظرا لأهميته البارزة في التخطيط الاستراتيجي للتنمية ونشر التنوير في المجتمعات وخاصة التسويق لصورتها الذهنية في أوساط الأمم والشعوب في العصر الراهن مما أدى بالعديد من الدول المتقدمة أن تبحث على جلب المبدعين إليها من شتى بقاع العالم ومن مختلف ميادين العلم والمعرفة بهدف إشراكهم والاستفادة منهم في مشاريعها التنموية وفي سبيل ذلك وفرت لهم كل الإمكانات والظروف التي تسمح لهم بالانطلاق في فضاء التطور والتميز .
وفي هذا الإطار فقد أصبح لعملية تطوير الإبداع دور أساسي و بارز في تقدم المجتمعات وفي إرساء الخطط الاستراتيجية في مختلف القطاعات الحيوية للتنمية, وتشير الأبحاث التاريخية في بناء وتطور الحضارات أن الاهتمام العلمي بدراسة الإبداع وأساليب تطويره لدى الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين بحيث حظي هذا الموضوع بأهمية بالغة في العديد من الدول من بينها اليابان وأوروبا و أمريكا خاصة بعد خطاب العالم النفساني الأمريكي المعروف "جيلفورد" عام 1950 أمام جمعية علم النفس الأمريكية الذي دعا فيه الى الاهتمام بدراسة التفكير الإبداعي وتطويره لتنمية القدرات العقلية والفكرية للشباب , وقدم فيه لأول مرة نموذجا تطبيقيا للبناء العقلي للإنسان اتخذ قاعدة لإجراء البحوث والدراسات في مجال التفكير الإبداعي ومنطلقا أساسيا في العديد من المناهج التعليمية الحديثة نظرا لفعاليته و جدواه , فالأفراد ذوي القدرات الإبداعية صار لهم دوراً هاماً في التطور والنماء لدى معظم الدول في العالم وأن عملية التقدم والتطور الحضاري صارت ترتكز بصفة أساسية على تنمية المهارات الابداعية المختلفة لكل أبناء المجتمع.
وبما أن الإبداع نشاط خيالي وإنتاجي يأخذ طابعا علميا أوفينا أو أدبيا أو غير ذلك ويُبرز قدرة الفرد على إنتاج أفكار أو معارف وأفعال ، فإنه أيضا نشاط في جوهره لا يرتبط بالضرورة بدرجة ذكاء الشخص, بحيث ليس من اللازم أن تكون عبقريا حتى تكون مبدعا ,وإنما رغبتك وإرادتك وسعة خيالك هي التي تكسبك ميزة الإبداع فكل إنسان بفطرته يمتلك إمكانات إبداعية يستطيع استغلالها إذا وُظِّفت بطريقة مناسبة.
ولأجل بعث حركة تنموية اكثر إبداعا في مجتمعاتنا فيجب عليها أن تجعل الاهتمام بالتفكير الإبداعي لدى الشباب من أولوياتها الأساسية في رسم خططها الاستراتيجية في مختلف القطاعات العلمية والتربوية والاقتصادية وغيرها..., من أجل الوصول إلى نتائج تحقق إشراقات متميزة لدى الشباب في المجتمع, فاكتشافهم لمواهبهم العمل على تنميتها سيكون حافزا لهم للإبداع ورسم استراتيجيات البناء والتطوير من أجل استمرارية العطاء والتنوير.