التفاهــــــــة والفعل الحضاري...

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
7 أشهر أقل من أسبوع

إن شبكات التواصل الاجتماعي، قد تحولت في عصر الإعلام الرقمي إلى منابر للشهرة وكسب المال والتأثير على الرأي العام من خلال نشر التفاهة بمختلف أنواعها وأشكالها، وفتحت بذلك أبوابها للكثير من الناس للحديث عن كل شيء بشتى الطرق والوسائل بدون حدود ، وأضحت مواقع الشبكات الاجتماعية مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"تيك توك" وغيرها ..., فضاءات واسعة لإبراز السخرية والضحك واللامبالاة سواء بالصورة أو الكلمة أو الاثنين معا, فتعاظمت ذوات صناع المحتوى التافه بتزايد عدد المعجبين بما يقولون ويفعلون والذين ملأوا الفضاءات الرقمية الرحبة بمحتويات رديئة تسيئ الى البناءات الوظيفية للفعل التواصلي في أبعاده الأخلاقية والحضارية ، فأصبحت هذه الشبكات الاجتماعية في سياقاتها الاجتماعية وسيلة فعالة لنشر نمط مقولب من ثقافة التفاهة في مختلف أوساط المجتمعات الحديثة في العصر الراهن.

وفي هذا الإطار يشير المفكر الكندي الشهير "ألان دونو" في كتابه الذي يحمل عنوان "نظام التفاهة" بأن الأشخاص المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي أصبحوا يميلون بشكل كبير الى الاهتمام بالتفاهة وبكل ما يثير الغرائز وحب الظهور ويفضلون أيضا متابعة المحتويات التي تستجيب لمزاجاتهم الشخصية وتشبع رغباتهم في التسلية والترفيه فقط.

وأما في البحث الاتنوغرافي الذي أجراه باحثون من جامعة جورجيا الأمريكية حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على السلوك الإنساني فقد بيَّن من خلال نتائجه أنَّ هذه المواقع الاجتماعية قد أثرت بشكل بارز على مكونات الشخصية والتوازن النفسي لمستخدميها وأيضا على اتجاهاتهم السلوكية والمزاجية فقد تجد شخصا يلبس يرتدى بذلة الرياضة دون أن يكون رياضيا، وبذلة راقية من أشهر الماركات العالمية دون أن يكون ثريًّا وغيرها...., من السلوكيات الغربية التي لا تتماشى مع واقعه النفسي والاجتماعي وهذا أدى بصفة سريعة الى حدوث قطيعة ابستيمولوجية ونفسية للجماهير مع محيطها الثقافي والحضاري وصارت تعيش في بحر التفاهة والإلهاء اللذان سيقضيان على قيم التنوير في مجتمعاتها مثلما يبينه المفكر الألماني الشهير "فريديريش هيجل" في كتابه "ظاهريات الروح" الذي أكد فيه أن التفكير هو أساس التنوير للإنسان على وجه الأرض وأنه هو روح الحضارة وجوهرها وهذا ما يؤكده أيضا الفيلسوف  ايميل دوكايم في كتابه " المنهج" الذي اعتبر التفكير العقلاني هو المنهج للوصول الى التغيير والتطور .

فشبكات التواصل الاجتماعي بالرغم من بعض محاسنها في تسهيل الاتصال البشري, إلا أنها بحسب المفكرين في مجال المعرفة والعلوم مثل الفرنسي "ميشال فوكو" والألماني " يورجن هابرماس " والأمريكي "نعوم تشومسكي " وغيرهم ..., أن حجم التفاهة الكبير الذي تنشره سوف يجعل المجتمعات المعاصرة تنصهر في بوثقتها وتفقد بذلك قيمها الانسانية وتسيطر عليها النزعة المادية.

ولكي يعيش الإنسان في توازن مع روحه وجسده ومحيطه الاجتماعي يتحتم عليه أن

في إطار استخدامه لشبكات التواصل الاجتماعي أن يختار من ما ينشر فيها  كل ما يتناسب مع توجهاته وقيمه المرجعية في مجتمعه والتي من شأنها تنمية وترقية التفكير الإبداعي لديه ويبتعد عن استهلاك التفاهة التي تعطل التفكير المتوازن وتقيد حركة الفعل الحضاري نحو التغيير والتطور. .