التفكيك.. وما بعد الفوضى!

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
6 سنوات 8 أشهر

يؤسفني وينقبض فؤادي كثيرا عندما أرى انحطاطا للسلوك الإنساني المعاصر في تعامله مع يومياته وقضاياه المصيرية, فقد انتشر العنف في المجتمعات الراهنة وساد الفساد والرذيلة في أوساطها إلى حد رهيب جعل العالم يعيش في عصر ما بعد الفوضى! 

وأمام هذا الوضع المتردي، فقد ظهرت نقاشات وسجالات ساخنة في العديد من الدوائر الفكرية العالمية تُرجع هذا الأمر إلى خلل قد أصاب مسيرة التطور البشري من جراء النزعة التفكيكية التي هيمنت على اتجاهات التنوير في التفكير الإنساني وجزأت الواقع المعيش والمستقبل وأفقدتهما انسجامهما المبني على تسلسل القيم المتوارثة عبر الأجيال والمرتبطة بعقد اجتماعي أساسه الدين أو الضوابط العرفية أو القانونية.

لقد ظهر هذا الفكر التفكيكي مع نهاية القرن الـ 20 بزعامة الفيلسوف الفرنسي «جاك دريدا»، وعم أرجاء العالم برمته، معلنا نهاية الحداثة وبداية الفوضى التي جعلت إرادة القوة جوهرا للحقيقة دون ربطها بالقيم الإنسانية ومسقطة في الوقت نفسه الأسئلة الغائية من التفكير، مما أدى في السنوات الأخيرة إلى انهيار مفاجئ للمنظومة الكلية لكل القيم البنائية للمجتمعات وساد التفكك والعبثية في المفاهيم والدلالات لتؤجج مختلف الصراعات والحروب الخامدة في كل مكان، وتثير اللاتجانس واللاستقرار في الضمير الجمعي للشعوب وتفسير كل شيء بأي شيء.

وللخروج من هذه المتاهة الخطيرة التي وقع فيها الفعل الإنساني المعاصر وجعلته يعايش حالة ما بعد الفوضى التي أفقدته توازنه التنويري، يجب عليه تجنب التفكيك في تفسير الأمور والقضايا وفي الرؤية الطبيعية للأشياء وللاختلاف، وفي كل التعاملات والممارسات والعمل على تجميع المفكك من الفكر وتوحيده لتتكامل أجزاؤه المبعثرة والمتناثرة، مكونة بذلك القيم الإنسانية النبيلة التي من شأنها أن ترفع بهذا الإنسان إلى أسمى درجات التطور والرقي الحضاري.