الثقافة والقوة
تعجبني كثيرا كتابات المفكر البريطاني «ستيفن جونز» حول نظريته في علاقة الثقافة بالقوة مبرزا من خلالها دور المثقف في التغيير الإيجابي داخل المجتمعات، وخاصة توجيه الممارسات الاجتماعية؛ لتتوافق مع الأدب والنقد والذوق وتربية الأجيال.
لقد أثارت أفكاره الناضجة وتأملاته الفكرية العميقة في فلسفة الثقافة اهتماما واسع النطاق في مختلف الدوائر الفكرية العالمية، وخاصة في المشهد الثقافي الإنجليزي باعتبارها تؤسس لحتمية ارتباطية بين الثقافة في بعدها الإنساني والقوة، مؤكدة في نفس الوقت استطاعتها إضعاف وحتى إتلاف العلاقة الصلبة المشكلة حاليا بين المعلومة والسلطة والمال التي روج لها المفكر الأمريكي «ألفين توفلر» في كتابه الذي يحمل عنوان «السلطات الجديدة» وأدت للأسف إلى هيمنة البعد المادي على الرؤى والتصرفات في عالمنا المعاصر وتراجع بذلك الفعل الإنساني في سلوكيات الجماهير.
وبالتالي، فوجود المثقف البطل القوي بعلمه وحكمته وبصيرته ضروري وأساسي في أي تغيير أو نهضة في أوساط المجتمعات الحديثة التي تعيش مثلما يقول الفيلسوف الفرنسي «جاك دريدا» التشظي والتفكيك في بنيتها الأخلاقية والحضارية، فهو يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا أمته ليصنع التغيير والقوة.
فمن هذا المنطلق، يبدو أن هذا المفهوم الذي يطرحه «ستيفن جونز» من خلال رؤيته في تلازم الثقافة والقوة يمكن أن يضع الأطر الصحيحة لعمل المثقف ويحدد دوره في مجتمعاتنا التي تشهد تحولات جذرية في العديد من المجالات المرتبطة بمنظومتها القيمية والفكرية وتؤسس لمشكلات عويصة طرأت في مشهدها الثقافي الفكري والاجتماعي، وقد تعصف بالوعي الجماعي والفعل الحضاري فيها وتعرقل أو حتى تدمر حركة التقدم والتطور في جنباتها.
يوجد فرق شاسع بين المثقف المزيف الذي يعيش في برجه العاجي ويعتقد أنه أعلى من كل الناس، والمثقف الحقيقي القوي الذي يحمل هموم الناس من كل الفئات في المجتمع من فقراء ومحرومين وكادحين، يسعى إلى فهم واقعهم ويعمل جاهدا إلى تغييره إيجابيا وبالطريقة المناسبة التي تنشر الوعي والتفاهم والتعاون. نحن بحاجة ملحة في مجتمعاتنا إلى هذا المثقف القوي الذي يسعى إلى أن يكون طلائعيا يقود التصدي في وجه كل التحديات، ويرسم معالم الطموح والتطور بداخله.