الرأسمال الثقافي 

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
3 أشهر أقل من أسبوع

 

تعجبني كثيرا آراء الفيلسوف والمفكر الفرنسي "بيار بورديو"Pierre Bourdieu التي نشرها في كتابه الشهير الذي يحمل عنوان " بؤس العالم" في عام 1993م ومفادها أن عملية التغيير في لمجتمعات الحديثة ترتكز بشكل اساسي على الثقافة وتفاعل رموزها مع البنية الاجتماعية في مختلف أنساقها وأدوارها الوظيفية والتي سماها "الرأسمال الثقافي" بحيث يعتبر أول من وضع هذا المصطلح  في علم الاجتماع النقدي .
إن الرأسمال الثقافي الذي يدعو اليه عالم الاجتماع "بيار بورديو" يتمثل في التراث التاريخي والحضاري للمجتمع وفي مختلف أنماط الفنون من رسم وصناعات تقليدية وأزياء شعبية وإبداعات أدبية وروائية التي تحمل في طياتها الأبعاد الحضارية والانسانية في إطارها الزماني والمكاني إضافة الى المعرفة بتعدد أنواعها وأشكالها والتعليم والقدرات على التفكير النقدي, وأن عملية الاعتماد على هذا الرأسمال الثقافي في وضع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية هو الذي يحرك قطار التغيير في المجتمع بحيث أنه يمنح للأفراد قوة دافعة للعمل والتطوير من خلال ما تتحصل عليه من مهارات عبر عملية التنشئة الثقافية والاجتماعية.
وبالتالي فإن نمو الرأسمال الثقافي في المجتمع من خلال الاستثمار في الثقافة وروافدها وجعلها منطلقا للفعل التواصلي وتفاعله في الفضاءات العامة بالمجتمع هو الذي يحفز حركة الوعي بالذات لدى الأفراد في الأوساط الاجتماعية مع مختلف المؤسسات الموجودة في محيطهم مما يؤدي الى تحقيق التغيير الايجابي المنشود الذي يتماشى مع الخطط التنموية المرسومة , وهذا ما أكده أيضا الفيلسوف الألماني "فريديرش هيجل " في كتابه الذي يحمل عنوان "ظاهريات الروح " عندما اعتبره محور الحياة والتطور للمجتمع أثناء مرحلة التنوير في أوروبا.
فعملية التغيير الناجحة في مجتمعات العصر الراهن التي تهيمن عليها التقنية وتطبيقاتها الرقمية تبدأ أساسا من خلال الاهتمام بالمنظومة الثقافية بمختلف أبعادها المحلية والإنسانية وتنمية الوعي بالذات وبها في المجالات التعليمية والتواصلية المتعددة وجعلهما ركائز محورية للتخطيط الاستراتيجي الاقتصادي والتنموي لتحقيق البناء والتطور نحو مستقبل أفضل.