العاطفة والتفاصيل
نرى تفاصيل موضوعية صغيرة تمر في حياتنا ولا ندرك أهميتها ورونقها ربما لانشغالنا الكبير في أعمالنا اليومية أو لصغر حجمها فلم تسترع اهتمامنا وانتباهنا في حين هي في جوهرها سر سعادتنا ومفتاح الحل للكثير من مشاكلنا ومتاعبنا في هذه الحياة.
هذه التفاصيل تكمن في الجزء الذي لا نراه أو نتجاهله في كثير من الأحيان أثناء اعتمادنا للعاطفة في تحليلنا لأمورنا وقضايانا؛ مما يجعلنا ننحرف كثيرا عن الصواب في تقديرنا إياها، وفي فهم حقيقة الأشياء ومجريات الأحداث من حولنا.
وفي هذا الإطار، يشير الفيلسوف، الطبيب الفرنسي «جوستاف لوبون» في كتابه الذي يحمل عنوان «سيكولوجية الجماهير» إلى أهمية التركيز على التفاصيل الموضوعية في تحليل وإدراك الوقائع وسريان مختلف الأفكار في المجتمع والابتعاد عن العاطفة والخيال والأحكام المسبقة التي تضل الإنسان في دوامة العنف والصدام، وتجعله يتخلى عن عقله الواعي، مما قد يجره إلى تصرفات وسلوكيات بدائية لا تراعي ما وصلت إليه الإنسانية من تقدم ورقي أخلاقي.
وفي خضم هذه الحالة من انصرافه التام عن البحث في التفاصيل الموضوعية التي تصاحب الوقائع ومن هيمنة التفكير غير الواعي على عقله نتيجة طغيان العاطفة والحماسة على اتجاهاته سلوكياته فإنه يكون في وضع جامد يتلقى فقط الأفكار ولا ينتجها، تجذبه الانطباعات والعواطف وتوجهه التحاليل السهلة التي تؤدي به إلى سطحية في الفهم وتعطل في الإدراكات الصحيحة.
وينبغي لنا إذن أن نتجنب العاطفة في تعاملنا مع مختلف القضايا التي تواجهنا وفي رؤيتنا للمشاكل التي تعتري حياتنا ونركز أكثر على محاولة فهم وتحليل التفاصيل الموضوعية الصغيرة المحيطة بها حتى تتوضح لنا الصورة الحقيقية الكاملة لواقعنا المعيش خالية من التشوهات العاطفية والمعاني المغلوطة.