اللغة العربية.. إلى أين؟
قبل أيام خلت، احتفلنا باليوم العالمي للغة العربية، ونحن نعيش تحولات ملحوظة في المنظومة القيمية والفكرية لمجتمعاتنا.
هذه التحولات، جاءت مصاحبة للتطورات التقنية المذهلة التي عرفها حقل الاتصال البشري منذ نهاية القرن العشرين المنصرم، مقتحمة حياتنا ويومياتنا، خاصة مع ظهور التطبيقات الجديدة للهواتف الذكية بمختلف أجيالها، وشبكات التواصل الاجتماعي المتعددة، حتى أصبح العديد من محادثات الناس في زماننا تتم عبر هذه الوسائل الاتصالية باستخدام لغة عربية هجينة تجمع بين الحروف العربية والإنجليزية ممزوجة بأرقام ورموز وغيرها!
وبالرغم من تمجيد الكثير من العلماء الغربيين المنصفين، وخاصة المستشرقين منهم للغة العربية، والاعتراف بدورها في التطور الإنساني، وفي النهضة الأوروبية الحديثة من خلال العديد من المؤلفات الفكرية، أمثال أعمال الفيلسوف الفرنسي الشهير «جوستاف لوبون» الذي وضَّح في كتابه الشهير الموسوم بـ «حضارة العرب»، أمجاد الحضارة العربية، ودور اللغة العربية، وتأثيرها في مسار وتقدم العلوم، إلا أننا نلاحظ في عصرنا الراهن، تفشيا كبيرا للتحريف باللغة العربية لدى الكثير من شبابنا، على مواقع الإنترنت، وعبر تطبيقات الإعلام الجديد المختلفة، مما أدى إلى ظهور ممارسة لغوية جديدة تسمى ب «الانجلوعربية» تحددت معالمها بصفة واضحة في مجتمعاتنا، محدثة ارتباكا في المفاهيم المرتبطة بالكلمات، والقيم ودلالاتها الراسخة في الموروث الثقافي والحضاري العربي لقرون من الزمان، وجعلت الوعي في أوساطها ينتابها كثير من الاغتراب والتشتت الفكري والاضطراب في الهوية والانتماء.
والعجيب في الأمر، أن مثل هذا الانحراف في كتابة اللغة العربية، لا تعرفه اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها، مما يبين عمق الأزمة الكبيرة التي يعاني منها العقل العربي المعاصر.
وبحسب المختصين في اللغة واللسانيات، فإن هذه الظاهرة سيكون لها تداعيات خطيرة على اللغة العربية ومكانتها في المجتمع إذا لم يتم مجابهتها والتصدي لها من خلال التوعية المستمرة عبر وسائل الإعلام والثقافة، ومناهج التعليم، بضرورة تفادي استخدام الاستعمال الهجين للغة العربية، والتمسك بقواعدها الصحيحة التي ترمز إلى بناءات قيمية ضاربة، في عمق التراث الحضاري الأصيل للأمة العربية والإسلامية.