الوعي الرياضي؟!

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
4 سنوات 4 أشهر

كثيرا ما نلاحظ في مجتمعاتنا الإقبال الكبير للجماهير وخاصة الشباب على مشاهدة البرامج الرياضية في القنوات التلفزيونية المختلفة وعبر مواقع الإنترنت, وأيضا متابعة مباريات كرة القدم ونجومها بشكل حماسي منقطع النظير يثير الدهشة والذهول من شدة الاهتمام بها والتوغل العميق في تحليل مجرياتها حتى أصبحت هاجسا يطبع يومياتهم وتهيمن على نقاشاتهم ولقاءاتهم فصارت بذلك ظاهرة استرعت انتباه الباحثين لسبر أغوارها لمعرفة أسبابها وتداعياتها على نماء المجتمع وتطوره.     

إن مختلف البحوث المهتمة بدراسة التغيير الاجتماعي والثقافي في مجتمعاتنا تشير إلى أن متابعة الجماهير الكبيرة لرياضة كرة القدم عبر وسائل الإعلام وميلهم الى حد الإدمان لتتبع أخبارها قد أثرت بشكل كبير على إدراكاتهم وسلوكياتهم وتصوراتهم لذواتهم ومجتمعهم وأصبحت وسيلة تحقق لهم المتعة و«الهروبيه» من واقعهم الاجتماعي إلى واقع آخر بديلا عنه يجدون فيه ما ينسيهم مشاكلهم ويحققون فيه أحلامهم ولو بصفة افتراضية. 

ووفق ما يبينه المفكر الاجتماعي «جورج ميد» في كتابة الموسوم بـ«العقل ,الذات والمجتمع» أن هذا الاستخدام لوسائل الاعلام من خلال الرياضة وخاصة كرة القدم  قد يعمل على نشر الثقافة السلبية للفرجة والمشاهدة عبر غسلها للدماغ الجمعي لجماهير الشباب عبر القيم التي يسوقها وبالتالي فإنها قد تحدث ضررا جسيما على سلطة الثقافة الايجابية والقيم البنائية وتعطيلا لآليات التنوير التي يعتبرها المفكر الايطالي «انطونيو غرامشي» أساس التوازن القيمي في المجتمع.

فالتدفق الهائل الى مجتمعاتنا لسيول من صور الرياضة وخاصة كرة القدم عبر وسائل الإعلام جعلها تتحول ليس فقط إلى مجتمعات المشاهدة ولكن أيضا إلى رهائن داخل منظومة الرؤية الكلية للفرجة الرياضية والخيال الافتراضي الجامد الذي جعلها مثلما يقول الباحث الاجتماعي «ميشال فوكو» تعيش حالة من اللاتجانس واللاواقع تطغى عليها العنف والفردانية والرغبة في الانعزال والانطواء على الذات أو الذوبان في الآخر , مما يستدعي التحرك عاجلا وبكل الطرق المتاحة لتوعية الجماهير وخاصة الشباب بممارسة كرة القدم والرياضات الأخرى أفضل من الغوص بصفة مكثفة في أعماق المشاهدة الرياضية المتكررة التي تؤثر على ديناميكية التفكير والتطور والتغيير في أوساطهم,  والعمل بشكل منهجي على نشر الفعل الرياضي في جنبات مجتمعاتنا وتحويله الى ثقافة تحقق أهدافها الوظيفية وتساهم في تشكيل مكونات الوعي الرياضي في النسق الاجتماعي الكلي.