الوقت في عصرنا الرقمي

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
سنتان

اختلفت العديد من النقاشات حول أهمية الوقت في التغيير الاجتماعي والفعل الحضاري في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة في الغرب واللتان تميزان مجتمعات العصر الرقمي التي تباينت آراء الباحثين والمفكرين حوله و أصبح في السنوات الأخيرة في صميم البحث والنقد والمساءلة.

وفي خضم التحولات الرقمية السريعة التي يشهدها العالم في كل المجالات الحياتية للإنسان والتي تساهم في تقدمه ونموه وتحدد مكانته الحضارية بين الأمم والشعوب نلاحظ كثيرا من الإهمال لقيمة الوقت في أوساط مجتمعاتنا وخاصة لدى الشباب فغالبا ما تتم إضاعته في اللهو والجلسات الطويلة في المقاهي والمطاعم وفي قاعات الانتظار بالمستشفيات والإدارات وغيرها... , لقد تطورت العديد من البلدان الغربية عندما تفطنت شعوبها لأهمية الوقت في حياتهم فجل علماءها ومفكريها قد ربطوا التقدم بمدى الاهتمام بقيمة الوقت باعتباره يمثل المؤشر الدال على وعي الناس بدوره في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم .

لقد كان لبروز الفكر التفكيكي في العديد من دول أوروبا وأمريكا خاصة مع نهاية القرن العشرين دور أساسي في تنامي الاهتمام في جعل الوقت محورا جوهريا في صناعة القوة في مجتمعاتها والذي تزعمه على وجه الخصوص الفيلسوفان الفرنسي "جاك دريدا "و الألماني "نيتشه " اللذان عمدا إلى تجزئة تمظهرات الواقع المختلفة وقراءة معانيها وفق سلسلة من الدلالات الزمنية اللامتناهية في المعنى وتحديد حقيقة  الواقع وتطوره في سياقها وبهذا دخلت هذه المجتمعات في مرحلة ما بعد الحداثة التي كان لها دور كبير في تغيير العديد من المنطلقات الفكرية والحضارية الغربية من بينها الاقتصار على التفسير العلمي للظواهر والموضوعات وربطها بقيمة الوقت خاصة في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فصار التركيز بشكل كبير على الكيفيات وبتحقيق الغايات في إطارها الزمني وقياس مدى تأثيرها على تحقيق الإنجازات.

وفي هذا الإطار فإننا نجد لدى الانجليز مثلا شعبيا مشهورا يقول:"don`t put off tomorrow what you can do today"  بمعنى "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد " وهو في جوهره إشارة إلى أهمية الوقت وحسن التعامل معه في انجاز أي عمل , وكما يحكى أيضا عن الفيلسوف الألماني المشهور "ايمانويل كانط " أنه كان منضبطا في مواعيده و قيامه بأعماله ومحترما للوقت حتى أثناء راحته حيث قيل أنه كان يخرج من مكتبه كل يوم على الساعة الرابعة مساءا "بالضبط " تماما للتنزه في حديقة منزله و لأخذ قسط من الراحة لدرجة أن الناس كانوا يضبطون ساعاتهم عندما يرونه في الحديقة, وكما يقول أيضا العالم الاجتماعي الألماني  "ماكس فيبر" في كتابه الذي يحمل عنوان " الاقتصاد والمجتمع" أن أوروبا لم تدخل الحداثة إلا عندما أصبح للوقت قيمة جوهرية فيها .

على المرء أن يستفيد من وقته ولا يضيعه سدى لأن عجلة الزمن لا تعود أبدا إلى الوراء ويحاول باستمرار أن يجتهد في استغلال الوقت ويحسن التعامل معه بأفضل الوسائل والطرق التي رسمها ديننا الإسلامي الحنيف والتي من بينها المداومة على العمل وإن كان قليلا والتبكير إليه والاستفادة من تجارب الغير فالعمر قصير و الحاضر ضيق, وإذا انتفعنا بالوقت على خير وجه فإننا سنضمن لأنفسنا النجاح في دنيانا وآخرتنا ولمجتمعنا التقدم والرخاء .