ينابيع الإبداع
يعتقد الكثير من الناس في مجتمعاتنا أن الإبداع مرتبط فقط بأناس تتوفر لديهم ملكات خاصة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ويعيشون في بيئة اقتصادية واجتماعية مريحة تدفعهم إلى التميز والإبداع، في حين أرى أن الواقع والتاريخ يؤكدان أن معظم المبدعين في تاريخ البشرية كانوا أشخاصا عاديين نشأوا وترعرعوا في ظروف صعبة وقاسية، من بينهم الفيلسوف الألماني «فريدريش هيجل» الذي عاش حياة مليئة بالأحزان وغيرت كتاباته الفلسفية المثيرة حركة التفكير في ألمانيا، وفي كامل أرجاء أوروبا. من خلال مفهوم الجدلية الذي طرحه كعنصر أساسي وجوهري للعقلانية التأملية، التي استطاعت أن تزرع في أوساط المجتمع الألماني نمطا جديدا من التصور نحو قيمة العمل ورؤية إدراكية مختلفة لكل الأشياء والقضايا في البيئة المحيطة، مما أدى إلى بناء النهضة الألمانية الحديثة التي انبهرت بها كل شعوب أوروبا والعالم.
وفي نفس السياق نجد أيضا الكاتب البرازيلي المشهور «باولو كويلو» الذي عرفت إصداراته الروائية العديدة رواجا واسعا في مختلف بقاع العالم، قد عاش حياة الفقر والحرمان وعدم الاستقرار في بداية حياته، فتمخض عن ذلك إنتاجه لأدب إبداعي متميز برز في مختلف رواياته الرائعة، التي استطاع من خلالها أن يمزج بين الواقع والخيال بطريقة فنية مبهرة، أثارت إعجاب القراء في العديد من مجتمعات المعمورة.
فمثلا روايته التي تحمل عنوان «الخيميائي» قد نشرها في عام 1988 باللغة البرتغالية ثم تمت ترجمتها في وقت قصير إلى 80 لغة أخرى، حتى وصفها النقاد بإحدى روائع الأدب العالمي المعاصر، بحيث بيع منها 201 مليون نسخة في 170 بلدا مما جعلها من أكثر الكتب مبيعا على مر التاريخ.
وبالتالي فإن الإبداع ينبع دائما عبر صقل الحواس التي تجعلها تتكشف للعيان وتعانق التجارب والأحداث تناغمها في عمق الذات؛ لتواكب تقلبات الواقع والزمان، فهو مثلما تبينه الدراسات، جزء طبيعي من ذواتنا جميعا ولسوف نجده يظهر في أعمالنا ويميز إنتاجاتنا متى أمعنّا البحث عنه في أعماقنا وتركنا له باب الحرية مفتوحا للبروز والعطاء.