نصري
يحكى أن شيخ أحد القرى، كان يتحدث دائما عن شخصية خيالية، ألفها ليخوف بها أبناء قريته أسماها «نصري» ويبدع في تصوير البطولة والشجاعة، لهذه الشخصية التي يلقيها لوحده كل يوم ولم يستطع أحد من سكان هذه القرية مقابلة هذه الشخصية، وتمادى شيخ القرية في وصف نصري وما يسببه من مشكلات للقرية، حتى أصبح الكل يهابه لغموضه وغرابته عنهم.
حذره كثير من عقلاء القرية الذين اكتشفوا أن نصري من خيال الشيخ ولا يوجد في الحقيقة، وكان تبريره أن نصري هذا يتسلى بقصصه أهالي القرية في مسامراتهم وأحاديثهم، وأبدع الأهالي في وصف شخصية نصري، بالرغم من عدم رؤيتهم له وكبرت الكذبة التي استغلها بعض الأشخاص في القرية، الذين أحسوا بعدم وجود شخصية نصري الخيالية؛ لينفذوا بها عددا من الأعمال الإجرامية مثل السرقة والضرب وإشعال الحرائق.
وأصبح نصري بشخصيته الخيالية يمثل رعبا حقيقيا للقرية وسكانها؛ حتى أصبحوا لا يأمنون على حلالهم ولا على أنفسهم، فكل جريمة تحدث في القرية يتهم بها نصري الذي يسمعون به وبقصصه. شعر شيخ القرية بالخطر الذي يمثله نصري لمشيخته ولقريته التي بدأ تضجر الأهالي من السكن فيها؛ مما دعاهم لترك منازلهم ومزارعهم والانتقال لقرى ومدن أخرى خوفا على حياتهم وحياة أولادهم.
هذه الشخصية التي ابتكرها شيخ القرية من خياله واستعملها للضبط والربط في قريته، تجعلنا متيقنين على أن بيننا من يسعون لمواطن الكذب، ويبحثون عنه وينتقون منه ما يريدون ليحققوا به الأهداف التي يسعون إليها؛ لأنهم يعتبرون الكذب وسيلة ناجحة لتحقيق أهدافهم وأطماعهم ومآربهم، فإنهم سيسعون لإيجاد ألف (نصري)، ولا يتورعون في إعلان الكذب الذي أصبح في عصرنا الحاضر يقدم للناس على أنه فن من فنون الحياة، يقدمونه بأساليب متعددة، متناسين بأن الكذب وسيلة العاجز يتخذها؛ ليحقق مصالح وهمية تساعده على البقاء والاستمرار على الرغم من أن ديننا الإسلامي الحنيف ينهانا عن الكذب بكافة أشكاله، ولكنهم يتناسون أن الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.