«التلعيب» بديلا للتعليب!
ما من قضية تشغل بال وفكر المجتمعات وتستحوذ على اهتمامها كما تفعل قضية التعليم بكل أشكالها ومكوناتها، فالأمم المتقدمة، ولأنها تقدمت وتطورت، بسبب وبفعل التعليم، نجدها تبذل جهودا خارقة في كل حين بغرض المحافظة على حيوية وجاذبية العملية التعليمية لمتلقيها بكل مستوياتهم، وتحاول بين فينة واخرى أن تجدد وتبتكر في أساليبها وطرائقها ووسائلها حتى تؤتي أكلها ثمرا نافعا ومخرجات مؤهلة؛ لتكون إضافة نوعية للمعرفة والمجتمع.
وأول ما تهتم به تلك المجتمعات هو ربط العملية التعليمية بالمكونات الواقعية والحياتية التي يتعايشون بها مع الناس، وينجذبون إليها خاصة أولئك الذين يكونون في سني تعليمهم الأولى.
اليوم وكما هو معلوم يعيش العالم عصر التقنيات ومنتجاتها وتطبيقاتها التي تتجدد بشكل متسارع وتسيطر على ألباب الناس وتسلب عقولهم كالألعاب الإلكترونية، التي يتم تصميمها على درجة عالية من الإبهار والتشويق، وهو ما انتبهت له كثير من الدول لمحاولة استثمار تلك الألعاب، التي فرضت نفسها بقوة وخلقت علاقة لازمة بينها وبين الأطفال والشباب وفي كثير من أحوالها على الكبار لاستثمارها فيما يفيد ويبني، فابتدعت تلك الدول مصطلحا علميا لعملية التعليم بالتلعيب هو مصطلح Gamification أو Ludification، ويقابله في العربية التلعيب أو اللوعبة والذي تتلخص فكرته في دمج عناصر وتقنيات اللعبة الرقمية في ميادين التعليم بدلا من حصرها في مجالات التسلية والترفيه غير الموجه، بهدف جعل النشاط التعليمي أكثر متعة وتشويقا، كما تلك الألعاب.
وبمعنى أوضح، أخذ مبادئ اللعب الإلكتروني الذي يهيمن على الترفيه في راهن الحياة الانسانية، وتوجيهها نحو أهداف وحقائق عالم التعليم وبيئاته وجعلها تحاكي الألعاب وتحولها إلى سياقات لا علاقة لها باللعب وهو منحى تعليمي لتحفيز الدارسين على الإقبال على التعليم برغبة ولهفة.
وتجارب تلك الدول في هذا المذهب الفلسفي التعليمي الجديد أثبتت من خلال أبحاثها البعدية فعالية هذه الاتجاهات ونفعها في بدرجة كبيرة في مؤسسات التعليم؛ وقاموا برصد المبررات التي تدعم هذه الحقائق والتي تمثلت في جوانب عدة كونها طرائق تمنح الدارسين حرية التفكير والإبداع والانتاج العلمي وتحفز التعلم الذاتي بعيدا عن الإملاء والتلقين.
كما انها تزيد من فرص التجريب والمحاولة وتقبل الخطأ والإصرار على الوصول للصواب بما تخلقه من روح المنافسة بينهم فضلا عن أجواء المتعة والتشويق التي تشيعها في الفصول الدراسية باعتبارها وسائل مبتكرة، تغير من الشكل التقليدي للتعليم وتبعدهم عن الملل.
وأهم من كل ذلك أنها تربط التعليم بواقع حياتهم واهتماماتهم وتوجد لهم مهام تعليمية حديثة تملأ ساعات الفراغ الضار لديهم وتدفعهم لاكتشاف وتقييم مهاراتهم وقدراتهم الذاتية والعمل على تطويرها وصقلها بالتجربة العملية.
فهلا فعلنا كما يفعلون ولجأنا إلى التلعيب كأسلوب تعليمي مستحدث ومفيد؛ بدلا من تعليب وتغليف العقول ومنحها عفوا عاما عن التفكير والتدبر والابتكار ومحاصرتها بمطالب الحفظ القاتل والنسخ المشوه لها.