احتفاء بعالمية لغة الضاد
اللغة العربية هي أمّ اللغات السامية، إذ تفرعت منها تلك اللغات التي تحدث بها أبناء سام بن نوح في غابر الزمان. وقد حملت في ثناياها كل عوامل الاستمرار لأنها لغة القرآن الكريم ومرآة حضارة الإسلام ووسيلة الترابط الاجتماعي الوثيق بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .
إنها لغة سلمٍ وأمنٍ. فها هو النبي- صلى الله عليه وسلم- يدخل مكة التي نشأ في ربوعها وعَلِقها فؤاده بيد أنّه هجرها قسراً - ولكنه مع ذلك يعفو منتصراً عن سكانها- الذين أمعنوا في أذاه - بعبارةٍ تمس شغاف القلب وتهزّ المشاعر ويسيل لها الدمع مدراراً. (إذهبوا فأنتم الطلقاء) نعم هذا درس مستفاد يرن صدى كلماته في الآفاق على مدى الأزمان ناضحةً بالقيم الإنسانية السامية.
إنها لغة حرب ونِزال، فطارق بن زياد يقدح الحمية والحماس في نفوس جنده بعد أن أحرق البوارج التي تقلهم علي شاطئ الأندلس مردداً على أسماعهم ( البحر خلفكم العدو أماكم ). فتهب الجموع بأسنة مشرعة وتهليلٍ مدو مرعب يشتت شمل الأعادي.
إنها لغة المسجد والإرشاد، (اتقِ الله حيثما كنت وخالق الناس بخلق حسن) فهي أداة لبناء الفرد وغرس القيم النبيلة في وجدانه. إنها مرآة صادقة لأخلاق أهلها ذوي المكارم والإباء والشمم:
إذا أنا لم أعطِ المكارم حقها
فلا عزني خالٌ ولا ضمني أبُ
إن اللغة العربية تحوي في أعطافها أسرار قوتها والاشتقاق يُعدّ رافداً رئيساً لها ومعيناً فياضاً لا ينضب ومصدراً لثرائها بل تتسم مشتقاتها بالدقة في التعبير، فالجراد مثلاً سُمِي كذلك لأنه يجرد الأرض من الخُضرة الزاهية التي تكسو أديمها، والطائر ذو النعيق المحزن الذي يثير الغم والكآبة في النفس سمته العرب «غراباً » لأنه نذير اغتراب وفراق وبعاد. وملاح السفينة عبروا عنه بقولهم (سفّان ) على زِنة المبالغة( فعّال) .
إنها لغة الإيجاز في التركيب فمثلاً نكتفي بإضافة حرفٍ واحدٍ فقط في صيغة المثنى أو الإسناد للضمير، فيقال: قلمان وقلم. وفوق ذلك فاللّغة العربية ببيانها الآسر وأساليبها المتنوعة من كناية ومجاز وترادُف وتضاد ونحت وسبق معجمي لا مثيلَ له، قادرةٌ على الإيفاء بمتطلبات ومستجدات عصر العولمة.