الشاعر يجعل من مأساته قصيدة
في الشعر تجاوز للتاريخ الضيق - الزمان والمكان، وفي القصيدة تجسيد لخلود وعدم. لماذا نقرأ حزن غيرنا، وذاك التجلي لدواخلهم المرهَقة؟
فكأن كل شاعر يرشدنا للطريق الذي نتجاوز به حتميات حياتنا، من يملك تصوره للذات والحياة، من يحكي للرب كيف ألّم بنا الشقاء، من يصنع كل هذا التجسيد داخلنا لنرقى في تمثيل اللغة، من يعيد لنا إنسانيتنا التي قيدتها مادية الحياة، وكأن القصيدة تمسك بنا لتنتشلنا من حياة الجمود، فنحلق لنكون رؤيتنا الأوضح فيما نكون، فمفرداتهم لم تكن فقط لأن نُعجب بموهبتهم، بل أسطر حياة، ونضج في تجربة مشاعرنا المؤصلة، لكن ما الذي يجبرهم أن يرددوا علينا قصائدهم كالرسالة؟ يقول أدونيس عن سركون «بوصفها هي، لا بوصفها وزنا أو نثرا، الكتابة عنده وجودٌ آخر داخل الوجود»، سركون المتجاوز لتصنيفات القصيدة من النثر والوزن، لا يلتفت للتنظيم خلف الانتماء الشعري، ففي الوزن يكون تركيز الشاعر على الشكل وهذا انتماء للشعار قبله، وهنا تحديد من الموهبة الشعرية للشاعر، هذا الذي تخلى عنه سركون وغيره من المبدعين الذين تخلو عن الانتماء، واتجهوا للذات الشاعرة.
ففي شعر سركون ووصفه، لا تركز أبدا على شكل القصيدة وانتمائها للنثر أو للوزن، إنما تأخذك الكلمات لدواخلها وللوصف البليغ فيها، فعندما أقرأ لسركون يمكن أن أنسى القصيدة واسمها؛ لكن لا أنسى الوصف، التشبيه الذي يصنعه من الكلمة لتخدم ذاته والتجربة، لهذا أجده أجدر الشعراء الذين قرأت لهم، وأقربهم لتجسيد التجربة. فالشعر لديه هو أكثر من مفردات، لغة من خلف اللغة، هذا الشاعر حين يجعل من مأساته قصيدة.
المفردات كثيرة واللغة تخدع الشعور أحيانا، لكن قليل من تعمق داخل اللغة ليجعل من شعوره حقيقة لا زيف ليجعل المفردات طائعة له.
في نظري هو أحد القليل المتمكنين من اللغة، من جعل لحظة الشعر حياة، وجعل حياته في الشعر حياته في اللغة.