الشريعة والعلم هل يتعارضان؟

كلية الشريعة وأصول الدين
تاريخ التعديل
5 دقائق 27 ثانية

سؤال قديم أثار الجدل الواسع لدى بعض الفئات على مر العصور ومخنلف الأزمنة، حتى بدا للبعض أنهما خصمان لا يتفقان، وكأنهما نقيضان لا بقاء لأحدهما إلا بعدم وجود الآخر.

في العالم الغربي حصل التصادم الشديد بين العلم المادي وكثير من رجال الدين، لأن رجال الدين المسيحيين اختاروا الوقوف في وجه العلم وقمعه وتحذير الناس من ضلالته كما يدعون وأن الانسياق خلف العلماء هو ضرب من ضروب المعاصي التي يرتكبها من يتبع العلوم، وذلك لكون العلم يتعارض مع تفسيرهم الحرفي للنصوص مقدسة، فنصبت الكنيسة محاكم التفتيش وأحرقت العلماء وكتبهم، ولم يتمكن العلماء من كسب المعركة إلا بعد تحررهم من سلطة الكنيسة ونبذ كهنوتها وراء ظهورهم.

أما في الحضارة الإسلامية، فقد كان الأمر مختلفاً تماما، لأنه ما من تضارب بين روح القرآن وماصح من السيرة النبوية وروح العلم، إذ يتميز القرآن الكريم عن باقي الكتب الدينية بروح علمية لا تخفى على قارئه، فهنالك 1300 آية قرآنية تتحدث عن مظاهر الكون المادي، بل إن في بعض الآيات إشارات لأسرار كونية عجيبة اكتشفها العلم مؤخرا بعد جهود حثيثة وأبحاث مستفيضة ساهمت في تطابق النتائج التي توصلوا إليها مع ماجاء في القرآن الكريم، كما نزلت أول آية (أقرأ) ومن المعلوم أن القراءة هي المفتاح الرئيسي للعلم في مختلف صوره وأشكاله، كما رفع القرآن من منزلة العقل الذي لا تخفى أهميته في بناء صرح العلم، وخاطب الناس في أكثر من موضع بصيغة "أَفَلَا يَعْقِلُونَ"، "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ"، "أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ"، بل إن القرآن أسس لمنهج علمي عندما حث قارئيه على المشاهدة والملاحظة، ودعانا في أكثر من موضع إلى التأمل واكتشاف قوانين الكون وسننه، والعمل بها كيلا يكون مصيرنا كمصير الأمم السابقة ممن كان مصيرها الهلاك والفناء.

كما جاءت السنة النبوية لتعلي من شأن العلم فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" وقال في حديث آخر:" من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة". كما حثنا على أخذ العلم من الأمم الأخرى فقال: "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها".

ومع التوافق والانسجام بين الشريعة الإسلامية والعلم؛ انطلقت الطاقات العلمية بنظرة متحررة من أشكال الخرافة، ومن الأفكار التقليدية وبدعوة صريحة من الشريعة الإسلامية إلى البحث والمشاهدة، وهو ماجعل الحضارة الإسلامية ولادة للكثير من العلماء ممن اشتهروا بتفقههم في الدين وتبحرهم في علوم أخرى كالكيمياء أو الرياضيات أو الفلك، ومنهم جابر بن حيان الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء الحديثة باعتراف علماء الغرب، ومن أولئك العلماء الفيلسوف ابن رشد الذي أيقظت أفكاره أوروبا من سباتها العميق ومثلت فلسفته تحدياً كبيراً لخرافات الكنيسة، فعلى الرغم من كونه فقيهاً وقاضياً بارزاً إلا أنه اشتهر كذلك بخبرته في مجال علم الفلك، فقد نقد نظريات العلماء الذين سبقوه، واكتشف نجماً جديداً، ووضع تفسيرات مبتكرة وملاحظات فلكية قيمة، وكان فوق ذلك طبيباً بارعاً صنف رسائل طبية جمع فيها خبرته في هذا المجال، وغيرهما من العلماء الذين أوقدوا مصابيح العلم لمختلف الأمم من بعدهم وهو مايؤكد أن الشريعة الإسلامية السمحة لم تكن يوما عقبة في طريق العلم وأهله وإنما منسجمة معه وداعمة للعلم والعلماء لذلك جاءت الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.