ذكرى عالمية لغة الضاد

تاريخ التعديل
5 سنوات 7 أشهر

إن اللغة هي أداة تلقي المعرفة، بل هي الذاكرة التي تختزن فيها الأمة قيمها ومفاهيمها وتراثها. إنها وعاء الفكر ومرآة الثقافة ووسيلة الاتصال الوثيق بين النّاس، بل هي أبرز الملامح الثابتة التي تكون هوية الأمة.
واللغة العربية تتميز عن غيرها بأنها لغة متسقة التعبير لاستيعاب كل ما يستجد في الحياة من فنون القول والذهن والابتكار. فقد أثبتت عبر تاريخها المديد أنها لغة متجددة متطورة؛ وتفاعلها بعد الفتح الإسلامي مع ثقافات الشعوب الآسيوية والرومانية والإغريقية برهان دامغ على مقدرتها لمواكبة التقدم العلمي ومسايرته في شتى المجالات.
إن اللغة العربية هي الركيزة الصلبة التي انطلقت منها حضارة الإسلام لتعم قارات العالم؛ ولقد أبدع روادها أيما إبداع في علوم الفلك والجغرافيا والمعاجم واللسانيات والشرعيات والبصريات والتشريح والطب والصيدلة وكذلك الرياضيات والتي من أعلامها النابغين الخوارزمي مؤسس علم الجبر، ومن إسهاماته معادلات الدرجة الثانية والجيوب والظلال.
والحق يقال إن علوم الحضارة العربية الإسلامية هي القاعدة التي انطلق منها عصر النهضة في أوروبا والذي أثمر عنه هذا الانفجار العلمي والمعرفي الهائل في عصرنا الحالي.
وقد سرت البهجة إلى النفوس حينما أطلق الاتحاد العالمي للفلكيين أسماء علماء فلك مسلمين على بعض تشكيلات القمر عرفانا لجهودهم، ومن هؤلاء ثابت بن قرة وابن الهيثم والطوسي.
إن اللغة العربية لغة سهلة مرنة. إنها لغة التخاطب بل لغة العلوم الطبيعية.
إن العربية هي لغة الحياة الإنسانية ورقيقة جدا في تعابيرها. فكلمة «ورطة» في الإنجليزية مثلا تعبر عن أمر ربما يمكن الخلاص منه، بيد أن هذه الكلمة لها معنى أعمق من ذلك بدرجة كبيرة في اللغة العربية.
فالورطة أصلا هي حفرة الوحل بين الصخور على سفح الجبل والتي تنزلق فيها الشاة أوالناقة فلا تستطيع الخروج منها أبدا. وأيضا الورطة تعني الأرض التي لا طريق فيها يؤدي إلى منفذ.
إن العربية هي لغة الإدارة والإعلام والقانون وإبرام العقود بقيود محكمة وبيان واضح لا لبس فيه ولا مجال للنكوص والتراجع عنه.
فقد اشترى الخليفة عمر حصانا، وما أن ابتعد مسافة من باحة السوق حتى ظهرت به علة، فأراد إعادته لصاحبه ولكنه رفض.
واحتكم الرجلان إلى شريح القاضي. ونظر شريح في الأمر مليا ثم نطق بنص قانوني موجز قائلا بجرأة للفاروق «خذ كما شريت.. أو رد كما أخذت» إنه قول فصل وحكم عدل باستبقاء الحصان كحاله مع الفاروق أو رده سليماً كما شراه لصاحبه البائع.
إن تفرد اللغة العربية بالثبات والاستمرار على مدى العصور مدعومة بالنص القرآني المقدس وبجهود قاعدة متكلميها العريضة من العرب والمسلمين ذوي القوة الاقتصادية والسياسية. كل ذلك مهد لها ورشحها بجدارة لترتقي سلم العالمية.