عن التخفُّف من أعباء الحياةِ المُعقّدة!
للإنسانِ طاقةٌ لا يستنفدها الزمن وإن طال، طاقةٌ وفيرة تُسمَّى " التكيُّف"، يتكيّف دائمًا حتى وإن ظنَّ -جهلًا منه- أنه لا يستطيع.
يظنُّ أن الحياةَ صعبة إن لم يحتسي قهوته، أن ذهنهُ لا يصفو دونَ أن يمرَّ بأرضٍ خضراء، يرى أن أيامه تقف على ثناءاتِ الناس عليه، ولن تستمرّ دونهم.. يُخيَّلُ إليهِ من شدَّةِ إنهماكه بالماجَرَيات - ماجرى، ومايجري- أن العالم سيقف عنده، لا بد أن يلحق بالآخرين ولو كانوا مُخطئين.
يهربُ وقتهُ منه، وتُنتزعُ مهاراته، وتذبلُ مواهبه، وهو لا يفتأ عن ملاحقة الأحداث والأشخاص في أصقاعِ العالم، وعن تلقُّف طقوسهُ وآرائه وطريقةُ عيشهِ من خلالِ مايرى ويسمع.
يُغلق على نفسهِ دائرة النمط، وبغيرِ هذا النمط فلا يكون، يفتقد ذاته، ماذا يحبّ وكيف يسعد، يعيشُ على أهواءِ الآخرين، فتذوي كينونته شيئًا فشيء، حتى لا يبقى لهُ من نفسهِ إلا اسمه.
والواقعُ أن الله تعالى خلقَ الإنسان وعلَّمهُ كيفَ يعيشُ وحيدًا، وكيف يعيشُ في جماعة، وكيف يعيشُ وحيدًا في جماعة، علَّمه دروب الهدى، وبيّن لهُ دروب الضلال، جعلَ في كلِّ طريقٍ نسلكه خيرٌ وثير، وأنار لنا في سُبل العيشِ المختلفةِ سراجًا منير، كي يستمرُّ فعل العيش.. بالقهوة أو بالماء، بالأراضي الحِسان الخضراءِ أو في الصحراء.. بالوحدةِ أو بين جموعٍ غفيرة من البشر.. إنَّنا نحملُ بذرة التكيّف، وهي في نموٍّ دائمٍ مع الزمن.. لا تقاوم هذا النموّ ؛ تكيَّف أينما تحلّ.. فهذه طبيعتك.. لا تتخلّى عنها.