غاية وليست هواية
مما تجتره ذاكرة الطفولة كثيرا، تلك المفكرة التي كنا نحرص كثيرا على امتلاكها بل كانت مما نتباهى به، وبما تحويه من كتابات مبعثرة تجمع شتاتا مختلفا.
ومن الموضوعات التي كانت تحويها تلك المفكرة بالضرورة اللقاءات التي كنا نجريها ونتبادلها مع بعضنا، حيث يحوي اللقاء مجموعة اسئلة يجيب عنها المسؤول، وهي بمثابة بطاقة تعريفية؛ ومن بين الأسئلة التي ترد بها سؤال عن الهواية.
ما يثير حيرتي الآن أنه لم يكن من بين تلك الإجابات (القراءة كواحدة من الهوايات) فالقراءة لم تكن هواية بل كانت مطلبا حياتيا يوازي مطالبها الأخرى، كما أنها كانت أسلوبا تربويا ملزما في المراحل الدراسية الأولية، الأمر الذي جعلها ممارسة يومية لا يستطيع أحد أن يتخلى عنها؛ لذا ما كان يمكن أن تكون شيئا يهواه البعض ويتركه الآخر، بل ماكنا نحتاج أن نُدعى لها أو نحفز عليها؛ لأنها بمثابة حاجة فطرية لا يمكن الاستغناء عنها.
وما أثار رغبتي في كتابة هذا المقال أنه أصبح من الطبيعي اليوم أن تسمع أن القراءة هواية.
لا أدري يا ترى كم هم هواتها؟ وفي أي مربع نضع من لا يهوونها؟ وهل يمكن أن يكون في أمة اقرأ هواة للقراءة وآخرين لا؟
وما لا يراودني الشك فيه أن ما نعيشه اليوم من هجر للقراءة وهجرة عن الكتاب هو نتيجة بدهية لتحول القراءة من كونها حالة وحاجة إنسانية لازمة لبناء فكر وروح الفرد إلى هواية تمارس لدى البعض، وفي بعض الأوقات ما يستدعي أن ندق ناقوس الخطر ونستنهض همم مؤسساتنا التربوية والتعليمية؛ لتفرد مساحة خاصة لحل هذا المشكل الذي ينسحب خطره على كل خطط وطموحات البناء والنهوض المجتمعي الذي يكون رأس المال البشري فيها شرطا أساسيا؛ لكي تبلغ أهدافها وحتى يكون ذلك كذلك، وحتى نبلغ طموحاتنا في النهضة والتقدم لابد من الاستثمار في أهم مقوم وهو الإنسان الذي يجعل من القراءة حالة طبيعية يخصص لها أفضل أوقاته وجل عمره كما أراد له الله سبحانه وتعالى بأن يكون المبتدأ أقرأ باسم ربك الأعلى، وخبره هاؤم أقرأوا كتابيه.
وحتى نُجيد القراءة باسم ربنا الأعلى فلابد أن نبني ذلك على علم ومعرفة وحسن اختيار لما نقرأ فنفوز بأن نقدم كتابنا الذي يُقرأ في آخرتنا بأيماننا ونجعل من حياتنا مرحلة تتوسط اقرأ الأولى واقرأ الأخرى.
كما علينا أن نعي دورنا تجاه الجيل الحالي؛ لنحيي فيه سنة القراءة فنجعله فعلا يقرأ ليرقى وتصبح القراءة بالنسبة له غاية يسعى لها وليس هواية يتباهى بها.