من فوق منارات مكة
من فوق منارات مكة سترى البياض وقد عم رحابها النجلاء، وكأن صبيرا خفيفا طاهرا نزل على ساحاتها وتغلغل في كل زواياها.
ستسمع لتكبيرات الحجاج صدى، وبالبصيرة ستشعر بترنيمات الخير، يبيتون الليالي ذوات العدد متشحين بالرحمة من بارئهم.
أنقياء حد صفاء المطر يأتون من كل فج عميق، وقد حمل كل واحد منهم إصرا ثقيلا، فيدخلون مكة لتبيض وجههم بعد أن اغتسلت من دمع سرورهم، وتنقشع من فوق رؤوسهم غمامة الذنوب, فيصبحون كأقمار صغيرة أرسلها من فوق سبع سماوات خالق القمر نفسه، تضرب عليهم المسكنة وهم يرتمون بأدعية قد جالت في صدورهم سنون تتلوها سنون، وقد كانوا يترقبون منذ البعيد لحظة تفيض فيها المدامِع تنجرف معها الهموم.
سر قليلا في بقاع الحرم وسترى أعظم قلوب تعلقت بالعطاء، إنهم جند خفي مدوا سواعدهم في بذل الخير ضيوف العزيز القدير. لم تهن هممهم ولم تذبل. ناصعة نواصيهم عالية كقمم الجبال. يافعة أرواحهم كغصون بان في نواحي بقعة طاهرة، فما زادوها على نصاعة بياضها إلا توردا زادها جمالا.