«الفرنكوآراب»
يؤسفني أن أرى الكثير من الشباب في مجتمعاتنا يتحادثون عبر مختلف تطبيقات الإعلام الجديد؛ وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، وهم يستخدمون لغة عربية هجينة يصعب فهمها وإدراكها، حتى أصبح هذا الأسلوب في المحادثة ظاهرة فرضت نفسها على المشهد الاتصالي بالإنترنت في العالم العربي، وحددت طريقة جديدة للممارسة التواصلية عبر الفضاء الافتراضي. فهذه اللغة الجديدة ليست بالعربية، ولا بالإنجليزية؛ وإنما تجمع بينهما في الحروف والبناء اللغوي؛ فهي في جوهرها خليط من حروف عربية وإنجليزية ممزوجة بأرقام ورموز ورسومات وغيرها.
ومع استفحال هذه الممارسة اللغوية الجديدة للخطاب العربي المكتوب على شبكة الإنترنت ظهر ما يسمى بـ «الفرنكو آراب» أو «الإنجلو عربية» وهو مصطلح يشير إلى هذه اللغة العربية الهجينة التي تتسم بالضعف الدلالي في الصياغة اللغوية والنحوية، ويغلب عليها استعمال الحروف اللاتينية، وقد سماها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة بـ «اللغة الموازية» التي تؤثر مثلما تؤكده العديد من الدراسات الإعلامية واللغوية على ثقافة وسلوكيات الشباب بشكل سلبي، بحيث ترسِّخ فيهم الإحساس بالتشتت اللغوي والاغتراب الفكري والاضطراب في الهوية والانتماء، وتُكوِّن في أعماقهم عقدة النقص والضعف والمغلوب التي تؤدي إلى تمجيد لغة الآخر وجلد لغة الذات العربية. وهذا من شأنه أن يُنتج تداعيات جسيمة وخطيرة على منظومة الاتصال في الأوساط الاجتماعية العربية وعلى مكونات اللغة العربية ومفرداتها.
إن انتشار مثل هذا السلوك الاتصالي، سوف يهدد بالتأكيد كيان اللغة العربية الفصحى في عقر دارها بالعالم العربي، ويعرقل نموها وتطورها الطبيعي؛ مما يؤدي بها إلى الاضمحلال شيئا فشيئا، وتصاب في نفس الوقت بالاهتزاز في بنية خطابها اللغوي والبلاغي الذي تتميز به، مما يفرغها مع مرور الزمن من ثراءها المعرفي ونقاءها الدلالي.
ولمواجهة هذه الظاهرة ينبغي على شبابنا أن يعوا ويدركوا ضرورة الحفاظ على لغتهم الأصيلة، ويدركوا في نفس الوقت مخاطر استعمالهم الهجين للغة العربية على هويتهم الحضارية، والعمل على الرفع من شأنها، والاهتمام بها كمظهر للذات الاجتماعية وانعكاساً لشخصيتها الثقافية وتدعيم استعمالها في المجالات الحياتية اليومية وبمختلف الممارسات الثقافية والاجتماعية داخل المجتمع.