لا أحد ينكر دور النقد في تغيير وتطوير الواقع في كل المجتمعات عبر التاريخ الإنساني، وتبني أفكارا جديدة من شأنها أن تؤسس لمستقبل زاهر أكثر تقدما ورقيا, ولكن للأسف الشديد نجد الكثير من الناس لا يتقبلون النقد ويعتبرونه تهجما وتعديا، وينشأ من جراءه نزاعات حادة تؤدي إلى البغضاء والشحناء التي ترسخ الجمود والتطرف.
إن العديد من المفكرين الذين أفادوا البشرية بعلمهم الغزير قد دعوا في إنتاجاتهم العلمية إلى تشجيع العقل على نقد الأفكار والسلوكيات المنتهجة في الممارسة اليومية للمجتمعات، وجعلوه أيديولوجيتهم في تقييم الأشياء والأمور، ووضعوه شرطا للولوج إلى عالم التطور والحداثة الذي يمثل النقد جوهره ولبه حسب تأكيداتهم في مختلف أعمالهم, فالتطور بدون نقد وتنظيم ليس بتطور، وإنما فوضى في فضاء الواقع المعاش تجره إلى متاهات التخلف والتقوقع.
وفي هذا الإطار فقد كانت لآراء فلاسفة النقد الغربيين المدونة في العديد من مؤلفاتهم آثار عميقة في تبلور الفكر النقدي المعاصر الذي دفع بعجلة الحركة التغييرية إلى الأمام في مختلف أرجاء أوروبا برمتها، وخاصة في ألمانيا وفرنسا، وأصبح بمثابة أيديولوجيا جديدة فرضت نفسها كآلية ضرورية وحتمية للوصول إلى ما بعد الحداثة أمثال الألمانيين ««فريدريك نيتشه» في كتابه الذي يحمل عنوان «القدر والتاريخ» و «مارتن هيدغر» في كتابه الموسوم بـ «الوجود والزمان» والفرنسي «ميشال فوكو» في إصداره المعنون «الكلمات والأشياء» والذي عرف رواجا كبيرا في دوائر الفكر الغربي الحديث.
إنه من خلال هذا الفكر النقدي الذي أثبت نجاعته لدى الغرب يمكن لنا أن ننتج باستخدامه في مجتمعاتنا خطابا جديدا يركز بشكل مباشر على إبراز المعضلات ومعالجتها، ويظهر مواطن الخلل في أمورنا لتصحيحها بوضعها على محك العقل وتقييمها على جميع المستويات بشفافية وموضوعية؛ مما يجعلنا نتوجه بخطى ثابتة وراسخة نحو التطور والنماء.
تاريخ النشر
الثلاثاء 11 ربيع الأول 1440 on نوفمبر 20, 2018
تاريخ التعديل
5 سنوات 9 أشهر