الاقتصاد والعصر المعلوماتي

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
سنتان 7 أشهر

لقد استمتعت كثيرا وأنا أقرأ الكتاب الجديد للمفكر الاتصالي الفرنسي الحداثي     ((Patrice flishy  الذي ينتمي الى التيار النقدي الأوروبي الذي تتزعمه مدرسة فرانكفورت , ويحمل عنوان "الأساليب الجديدة للاتصال"  وخاصة تحليله للتقرير السنوي الجديد للتجارة الأمريكية الذي يشير فيه الى أن صناعة المعلومات الاقتصادية واستخدامها عبر الطرق السريعة للاتصال في شبكة الانترنت وتطبيقاتها المختلفة تشكل حوالي ثلث النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية مما يبين دور هذا القطاع المعرفي في التنمية المستدامة باعتباره لا يعتمد على الموارد الطبيعية والمادية بل على المعرفة والتقنية والخبرات المختلفة في شتى المجالات الحيوية للإنسان، فصناعة المعلومات الاقتصادية ورصدها وتحليلها أصبحت تشهد تطورا كبيرا في الاقتصاد الدولي بحيث بلغت قيمة السوق العالمية لمنتجات تقنيات المعلومات حسب بعض الدراسات الاقتصادية الحديثة الى 600 بليون دولار سنويا.

ونظرا لأهمية هذا المجال في تحقيق التنمية وفق أبعادها المتعددة فقد توجهت مختلف الدول المتقدمة الى الاستثمار في المعلومات  للوصول الى بلورة أهدافها الاستراتيجية الاقتصادية بأكبر قدر من المنفعة والربح، والاستمرارية ، وبأقل تكلفة وأكثر محافظة على البيئة, مع العمل بصفة مركزة على تحديث وتنويع اقتصادياتها ، وتنمية نشاطاتها وربطها بالمعرفة ونتائج البحوث والدراسات المرتبطة بها من خلال ما يسمى "باقتصاد المعرفة " knowledge  economy)).

وما يميز هذا الاقتصاد القائم على المعرفة أنه يعتمد على المعلومات الاقتصادية واستعمالها بشكل علمي وتطبيقي ملائم وفعال يحقق نتائج جيدة تخدم التنمية المستدامة في المجتمع، عكس الاعتماد فقط على المواد الأولية الأخرى كالنفط، الغاز، الفحم وغيرها..., والتي تتميز بالنفاذ مهما كانت كميتها، كما أنها ملوثة بشكل كبير للبيئة والمحيط البيئي وعلى صحة الإنسان ، في حين نجد أن المعلومات تتميز بالاستمرارية والبقاء، فالمعارف مهما كان عدد مستخدميها ومستغليها كبيرا لا تنضب أبدا، بل إنها تنمو وتتجدد باستمرار من خلال عمليات الاستعمال والتدقيق والبحث والتداول، ولذلك نلاحظ أن أكثر من 50% من الطبقة العاملة في الدول المتقدمة تشتغل في قطاعات ذات علاقة بصناعة المعلومات بمختلف أنواعها وأشكالها، واستغلال التطور التقني في كيفيات تجميعها وتحليلها وتصنيفها لاستثمارها وبيعها بأثمان باهظة للدول التي تحتاجها, وفي هذا الإطار يقول المفكر الأمريكي"Manuel Castells "في كتابه  الذي يحمل عنوان "العصر المعلوماتي: الاقتصاد والمجتمع والثقافة " "إن المنافسة في الاقتصاد تكمن في القدرة على إنتاج المعرفة ومعالجة المعلومات".

وعلى هذا الأساس فإن ترسيخ مبادئ المنافسة والتنمية المستدامة في مجتمعاتنا يتطلب الاهتمام بصناعة المعلومات وبالاقتصاد القائم على إنتاج المعرفة بأحدث الوسائل التقنية المتطورة لمواكبة التطورات الاقتصادية السريعة التي يشهدها عالمنا المعاصر.