الاهتمام بالإبداع
كثيرا ما تستهويني مسألة الاهتمام بالإبداع، وتثير مكامن فضولي وانتباهي، وأنا أراها أصبحت في ظل التطورات التقنية والتحولات المتسارعة التي تشهدها مختلف المجالات في العصر الحديث حتمية وضرورة في الدول المتقدمة، تفرضها عليها شروط العولمة وأولوياته؛ نظرا لدورها الفعال في دفع عجلة التنمية إلى الأمام، وترسيخ مبادئ الوعي والتطور والتغيير في عمق مجتمعاتها.
لقد بدأت إرهاصات الاهتمام العالمي بدراسة الإبداع وأساليب تطويره في النصف الثاني من القرن المنصرم، بحيث حظي هذا الموضوع بأهمية بالغة في العديد من البلدان الغربية، وخاصة اليابان وأوروبا وأمريكا بعد الخطاب المشهور للعالم النفساني الأمريكي «جيلفورد»، سنة 1950، أمام جمعية علم النفس الأمريكية داعيا فيه المجتمعات الإنسانية إلى ضرورة دراسة التفكير الإبداعي وتطويره لدى الشعوب؛ لتنمية قدراتها العقلية والفكرية, ومقدما فيه لأول مرة في تاريخ العلوم نموذجا للبناء العقلي للإنسان؛ فصار أداة تستخدم لإجراء البحوث والدراسات في مجال التفكير الإبداعي، ومنطلقا أساسيا للعديد من المناهج التعليمية الحديثة؛ نظرا لفعاليته وتحقيقه لنتائج باهرة.
فالأفراد ذوو القدرات الإبداعية صار لهم دو مهم وأساسي في نجاح خطط واستراتيجيات التطور والنماء في العديد من دول العالم. وأن عملية التقدم والرقي صارت ترتكز بصفة أساسية على تنمية المهارات الإبداعية المختلفة لكل أبناء المجتمع.
وبما أن الإبداع نشاط خيالي وإنتاجي يأخذ طابعا علميا أوفينا أو أدبيا أو غير ذلك، ويُبرز قدرة الفرد على إنتاج أفكار ومعارف وسلوكيات؛ فهو أيضا نشاط في جوهره لا يرتبط بالضرورة بدرجة ذكاء الشخص، بحيث أنه ليس من اللازم أن تكون عبقريا، حتى تكون مبدعا؛ وإنما رغبتك وإرادتك وسعة خيالك، هي التي تكسبك ميزة الإبداع. فكل إنسان بفطرته يمتلك إمكانات إبداعية يستطيع استغلالها إذا وظفت بطريقة مناسبة.
ومن أجل بعث حركة تنموية إبداعية في مجتمعاتنا، يجب علينا كمجتمع أن نجعل الاهتمام بالتفكير الإبداعي لدى الشباب من أولوياتنا، ونوظفه في رسم خططنا الاستراتيجية في مختلف المجالات الحيوية المرتبطة بحياتنا، وخاصة العلمية والتربوية والاقتصادية، من أجل الوصول إلى تحقيق إبداعات متميزة, فاكتشاف المواهب المغمورة والعمل على تنميتها سيمدها حتما بالقدرة على الإبداع والتنوير.