التعليم البنكي والوعي الناقد
لقد شدت انتباهي آراء وكتابات المفكر البرازيلي «باولو فريري» الذي عرفت أبحاثه ودراساته حول أزمات التعليم في الدول النامية، والتي لم تلتحق بركب الحضارة الغربية الحديثة رواجا واهتماما كبيرين في مختلف الدوائر التعليمية في العالم، وقد دوَّنها في العديد من الكتب التي ألفها من بينها كتابه الموسوم بـ «المعلمون بناة ثقافة» ومؤلفه المشهور «التعليم من أجل الوعي الناقد».
يبين هذا العالم العبقري في مختلف نتائج أبحاثه حول التعليم أن جوهر الأزمات في الدول النامية مردها إلى ما سماه بـ «التعليم البنكي» الذي تكلم عنه بإسهاب في إصداراته لتفسير الانحطاط والضعف الذي يعتري التحصيل العلمي في هذه البلدان, بحيث يشير من خلال هذا المصطلح الذي استحدثه في هذا المجال إلى معاملة هذا النمط من التعليم الطلاب كحسابات بنكية تودع فيها العلوم والمعارف بطريقة تراكمية ترتكز أساسا على قاعدتي التلقين الموجه والتمركز المكثف للعملية التعليمية في اتجاه واحد على أساس أن الأستاذ هو فقط الذي يفكر ويتكلم وينظم ويختار ويفرض اختياره على الطالب الذي يكون مجبرا في هذه الحالة على التأقلم مع هذه البيئة القهرية التي تغيب فيها الحرية والمشاركة التفاعلية.
يرى هذا العالم الفذ «باولو فريري» أن حل هذه المعضلة التي يعاني منها هذا الواقع التعليمي المرير لهذه المجتمعات يكمن في إلغاء هذه الممارسة السيئة للتعليم البنكي واستبداله بنظام آخر سماه «التعليم بالوعي الناقد» الذي يرتكز على تمكين الطلاب من ممارسة الحرية في التفكير والنقد وجعل العملية التعليمية تسري باستمرار في اتجاهين للوصول إلى غرس نمط من الوعي الفكري الذي ينمي التشاركية العلمية النقدية لديهم ويجعلهم يندمجون بكل فعالية ضمن المنظومة الفكرية لهذه المجتمعات؛ وبذلك يحقق التعليم بها أهدافه المتوخاة ويدخل مرحلة انتقالية جديدة تدفع بعجلة التحصيل العلمي إلى الأمام.