الكلمات المتداولة
تتعدد وتختلف الكلمات التي نستعملها في محادثاتنا اليومية، للتعبير عن أفكارنا وآرائنا إلى درجة أن الكثير منها يلتبس علينا فهمها وإدراكها بشكل سليم , فمثلا كلمة "المراقبة" التي توحي بدلالة ايجابية نستخدمها لمتابعة الطلاب أثناء إجراء الاختبارات في المعاهد والجامعات؛ ولكن في مجتمعات أخرى نجدها تُستبدل بكلمة "الحراسة" التي ترمز إلى دلالة سلبية تعطي انطباعا سيئا للعلاقة التي تربط الطلاب بالأستا، والأستاذ بالجامعة في هذه العملية الاختبارية لتحصيلهم العلمي طيلة فترة معينة ، وقس على ذلك الكثير من الكلمات الأخرى التي يُساء استخدامها في غير محل؛ نظرا للدلالات المشوهة التي تعكسها على السلوكيات المختلفة في المجتمع.
وتشير الدراسات الإتنوميتودولوجية إلى أن المصطلحات والكلمات التي نتفوَّه بها في معاملاتنا تنبع من نمط معين في التفكير السائد داخل المجتمع الذي نعيش فيه, فهذا العلم المسمى الإثنوميتودولوجية قد تطور بشكل بارز في المجتمع الغربي المعاصر؛ ليواكب عواقب التحولات التي طرأت عليه في مرحلة ما بعد الحداثة التي اتسمت بالتفكك والانشطار من خلال توجهات بعض المفكرين والفلاسفة الأوروبيين؛ خاصة الفرنسي "جاك دريدا " والألماني "نيتشه " اللذان أسقطا الأسئلة الغائية من التفكير فصار التركيز فقط على الكيفيات دون الاهتمام بالغايات، مما أدى إلى انهيار المنظومة الكلية للقيم الإنسانية البنائية في المجتمع الغربي وساد التفسخ والتبعثر في معاني وإدراكات المفاهيم والكلمات لدى جماهيرها؛ فمثلا نجد أن كلمة الأسرة تزعزعت دلالتها في الغرب، فصارت لا تتناسق مع القيم السائدة من قبل والمرتكزة على قاعدة إنسانية وقانونية وعرفية.
وفي هذا الإطار يشير العالم الاجتماعي الأمريكي "هارولد غرفنكل" زعيم هذا التيار الإثنوميتودولوجي إلى أن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية لأي مجتمع، تتكشف من خلال درجة العقلنة في الكلمات التي يستخدمها، وهذا ما أدى بالعديد من الدول الغربية في السنوات الأخيرة إلى إعادة النظر في دلالات بعض الكلمات وتغييرها في قاموس اللغة المتداول عبر مناهج التعليم والتربية المعتمدة.
وعلى هذا الأساس فإن واقعنا مرتبط بالكلمات التي نعبر عنها ومدى دلالاتها الإيجابية التي تترسخ في شبكة العلاقات الاتصالية بين أفراد المجتمع , وبناء على ذلك ينبغي تصفية وغربلة قائمة الكلمات المستخدمة في تعاملاتنا ،مع الإبقاء فقط على التي تتميز بدلالات إيجابية ونحذف التي لها معاني تشوه السلوكيات والمواقف في أوساطنا؛ حتى تكون متناسقة مع القيم الأصيلة المتوارثة التي تدفع بعجلة التغيير المطلوب فيها نحو الاتجاه الصحيح والناجح.