الميديا الجديدة وظاهرة العولبة..!
لقد عرفت وسائل الاعلام الحديثة أو ما يصطلح على تسميتها بـ«الميديا الجديدة» تحولات كبيرة بفعل تكنولوجيات الاتصال التي مست كينونتها الوظيفية والبنيوية وخاصة خطابها الاعلامي الذي شهد تغييرات في خصائصه ووظائفه ليتحول من غرض الإعلام إلى صناعة التزييف والتضليل الذي يتجاوز بعده البنائي والوظيفي خاصة بعد اكتشاف عناصره القيمية وتحديد سياقاته السيمائية ليصبح أداة فعالة تستغل لخدمة أهداف الربح وتوجيه الرأي العام لأهداف متعددة قد تكون عسكرية أو سياسية مثل التحريض للتظاهر وإشعال فتيل الأزمات أو اقتصادية أو إيديولوجية أو ثقافية وغيرها...
فهذا التضليل الإعلامي يتم من خلال تشويه متعمد للحقائق، والتعميم المفرط، غير مستند إلى صدق الواقع، ويعد هذا من أشدّ ما يتعرض إليه البشر في هذا العصر الحديث من ظلم وطغيان من طرف هذه الميديا , ومما يزيد من خطورة هذا الخطاب المشوه والكاذب, أنه لا يمكن للإنسان التحقق من أية معلومة من خلال الخبرة الشخصية، ليكون الموجه الرئيسي للأفكار والمواقف، عن الدول والشعوب والثقافات والديانات والأشخاص.
فاحتلال هذا الخطاب للطاقة الإدراكية للناس قد مهد لاختراق «المخيال» العام للمجتمعات وصولا إلى هيمنة المخبوء على الوعي, أي عبور الرسالة المندسة إلى مجال اللاوعي لتصبح وعاء معرفيا مملوء بمجموعة من الدلالات والإيحاءات التي تعمل على تعليب الوعي من خلال رسائل رمزية غير مباشرة تفرضها البنية التقنية.
وفي هذا الإطار يشير المفكر الفرنسي «غوستاف لوبون» في كتابه «سيكولوجية الجماهير» الى أن الإنسان المعاصر أصبح يفكر من خلال هذا الخطاب الذي يشكل في ذهنه الواقع على الرغم من أنه بعيد عن «الواقع الحقيقي» وأيضا يقول الفيلسوف «ميشال فوكو» أن المجتمعات أصبحت في ظل هذه الميديا تعيش زمن التضليل الناعم من خلال سلطة التزييف التي حولتها إلى مجتمعات خاضعة ومعولبة.
وفي هذا السياق فقد انحرفت هذه الميديا الجديدة عن وظيفتها في نقل الواقع ونشر الوعي فصار لزاما تصحيحها من خلال ضرورة إيجاد آليات تبعد عنها التضليل وتجعل منها محورا لعقلنة المجتمع وتنويره وتكرس ديمقراطية وظيفية تعمل على تفعيل الاتصال داخل المجتمع لتحقيق استقراره وتوازنه..