الهواتف الذكية
شهد العالم مع نهاية القرن العشرين ثورة عارمة في مجال تقنيات الاتصال والإعلام اسفرت على العديد من الاكتشافات والاختراعات من بينها الهواتف الذكية التي شكلت منعطفا جوهريا في مسار تطورات الحداثة .
وبالرغم من أهمية هذه الهواتف الذكية في تطوير الاتصال البشري في العصر الحديث إلا أن تطبيقاتها الرقمية قد أحدثت بفعل سوء استخدامها تحولات مذهلة في المشهد الإعلامي العالمي من خلال استغلالها السيء في نشر المعلومات الكاذبة والمغلوطة سواء منها الأخبار والصور وغيرها..., في وسائل الإعلام التقليدية وشبكة الإنترنت وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها مما أدى الى انتشار ظاهرة التضليل الإعلامي التي شوهت المفاهيم والحقائق لدى فئات الجمهور المختلفة وعطلت تأثيراتها المنظومة القيمية والحركة التنويرية في مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة التي أصبحت تشهد حاليا تغييرات عميقة في منطلقاتها الفكرية والاجتماعية والثقافية بفعل هذا التضليل الاعلامي الذي تمارسه المعلومات المغلوطة على بناء الإدراك والوعي الاعلامي النقدي لدى الجماهير في ظل رقمنة الفضاء العام الذي دعا اليه الفيلسوف الألماني وزعيم المدرسة النقدية الحديثة "يورجن هابرماس" والمتمثل في وسائل الإعلام الجماهيرية ليكون بمثابة المساحة الوحيدة المثلى في المجتمع التي يجب أن تعرض وتناقش فيها الأفكار , المعلومات والأخبار والأحداث بكل صدق وحرية ومسؤولية وجعله وسيلة أساسية لتطوير الفعل الحضاري للإنسان على وجه الأرض.
في هذا الإطار يؤكد عالم الاجتماع الشهير "سيجموند بومان" "Sygmmund Bauman" الذي أعتبره أحد رواد التفكير النقدي الحديث من خلال آراءه الرائعة في العديد من كتبه حول موضوع الحداثة وتجلياتها التي مازالت تثير الكثير من الجدل والنقاش في العديد من الدوائر الفكرية والبحثية في العالم, خاصة انعكاساتها المختلفة على مجريات الأحداث والتطورات التي تشهدها المجتمعات الانسانية في السنوات الاخيرة أين ظهرت تحولات جوهرية في العلاقات الانسانية مست بشكل خطير منظومة القيم المختلفة في أوساط شعوب المعمورة.
لقد طرح هذا المفكر البولندي فكرة الحداثة السائلة في نقده للمجتمعات المنتمية لما يسمى مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة من التطور الانساني ليفسر من خلالها تطورها والتغييرات الفكرية التي تعتريها, بحيث اعتبر أن التقدم التقني الذي تشهده مختلف المجالات الحياتية للإنسان الحداثي خاصة مع ظهور الانترنت والهواتف الذكية قد أصبح يساهم بشكل كبير في نشر المعلومات المغلوطة والتضليل الإعلامي وغير من رؤيته لواقعه ومستقبله وللآخر من حوله مما جعل نزعة الاستهلاك وفوضى القيم تهيمن على سلوكياته .
وعلى هذا الأساس فيجب علينا أن نستخدم الهواتف الذكية بما يعود على المجتمعات بالخير الصلاح ونعمل على صناعة ونشر المحتويات الإعلامية بكل صدق ومسؤولية بعيدا عن الكذب والتضليل مع نشر الوعي الحداثي المطلوب في إطاره التنويري المرتبط بالعقلانية والأخلاق ليكون له الانعكاس المثمر على مسيرتنا نحو التطور والتقدم .