منظومة القيم

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
4 سنوات 11 شهراً

إنه لمن دواعي الحزن والأسف الشديد أن نرى انتشارا للعنف في المجتمعات الراهنة وتفشي الفساد في أرجائها إلى حد رهيب حتى أصبح عالمنا المعاصر يعيش في عصر الفتن. 
لقد بينت العديد من الدراسات والبحوث العلمية، وخاصة المرتبطة بالأبستمولوجيا الفلسفية والأنثروبولوجيا الإنسانية، وأيضا مختلف التحاليل والنقاشات في الدوائر الفكرية العالمية، أن مرد هذه الظاهرة يعود إلى النزعة التفكيكية التي سادت الفكر الإنساني الحديث، وهيمنت على اتجاهاته؛ مما أدى إلى فقدانه لمنظومة القيم التي اكتسبها عبر العصور وميزت بنيته الحضارية المرتبطة بعقد اجتماعي أساسه الدين أو الضوابط العرفية أو القانونية باختلاف معتقدات وآيديولوجيات الأمم والمجتمعات.
لقد ظهر هذا الفكر التفكيكي مع نهاية القرن العشرين بزعامة الفيلسوف الفرنسي «جاك دريدا» وعم أرجاء العالم برمته معلنا نهاية الحداثة، وبداية الفوضى في كل شيء حتى جعلت إرادة القوة جوهرا للحقيقة دون ربطها بالقيم الإنسانية ومسقطة في نفس الوقت الأسئلة الغائية من التفكير، مما أدى في هذه السنوات الأخيرة إلى انهيار مفاجئ للمنظومة الكلية لكل القيم البنائية للمجتمعات، وخاصة المتخلفة منها، وساد التفكك والعبثية في المفاهيم والدلالات لتؤجج مختلف الصراعات والتوترات وتثير العصبية والعنصرية المثيرة لظواهر «اللاتجانس» و «اللااسقرار» في ضميرها الجمعي.
وأمام هذا الوضع المتردي للفكر الإنساني الذي أفقده توازنه التنويري وجعله يعيش متاهات الانحراف والتخلف في الفضائل والأخلاق, يجب العمل على تجنب التفكيك في تفسير الأمور والقضايا، وتبني رؤية كلية للتعاملات والممارسات المختلفة في المجتمع مع الاعتماد على التفكير النقدي في تجميع المفكك من الأفكار والسلوكيات بداخله؛ لتوجيه فعل الإنسان إلى احتضان القيم النبيلة التي تشكل جوهر الوجودية للبشر مثلما يؤكده الفيلسوف الفرنسي «جون بول سارتر» في كتابه الذي يحمل عنوان «الوجودية مذهب إنساني» والتي من شأنها أن تحقق التطور الحضاري للمجتمعات والانسجام الداخلي في جنباتها مما يؤدي إلى الشمولية في التفكير والغائية في السلوكيات والقيم بأوساطها.