نظريَّة الراتب المتغير
لقد أثار انتباهي وإعجابي الجدل الذي أحدثته نظرية الراتب المتغير للباحثين المرموقين في مجال الدراسات الاقتصادية الحديثة الأمريكي "اوليفرت هارت" المولود في بريطانيا والفنلندي الأمريكي الجنسية "بنغيت هولستوم" والتي أدى تداعيات استخداماتها التطبيقية في عالم المال والأعمال الى فوزهما بجائزة نوبل للاقتصاد في عام 2016م نظرا للإسهامات المعتبرة لهذه النظرية في تطوير أساليب التعاقد والتوظيف في العمل في المؤسسات بالعديد من دول العالم مما أدى ولأول مرة الى فتح مجالات واسعة لفهم حقيقي للعلاقات الموجودة في البيئة المهنية وتحديد الدوافع والمحفِّزات المناسبة لتحقيق الربح والفائدة للمؤسسة.
لقد تبيَّن لي بعد استعراض هذه النظرية والبحث في أغوارها وخاصة الاتصالية منها أنها تقدم حلولا ممتازة للعديد من المشاكل التي تتخبط فيها المؤسسات بمختلف أنواعها وأشكالها في عالمنا المعاصر وخاصة تلك المرتبطة بعلاقة العمال والموظفين بمدراءهم, بحيث ابتكرت الآليات التي من شأنها تطوير المؤسسات وجعلها أكثر إنتاجا واستقرارا من خلال تغيير نمط الاتصال والتعاقد بينها وبين منسوبيها.
وفي هذا السياق فإن هذه النظرية تحاول البحث في بعض الاشكاليات الهامَّة التي كثيرا ما شغلت بال الباحثين في ميدان الاقتصاد لسنوات عديدة مثل: ماهي أفضل وسيلة لتشجيع الموظفين والعمال ومكافاتهم ؟ وما هو الوضع الأمثل للتعاقد مع العمال والموظفين في المؤسسات؟ وما هو الوضع الأمثل لمؤسسات مثل المدارس والجامعات والمستشفيات ؟ متى ينبغي للمؤسسات أن تكون مملوكة للقطاع الحكومي أو الخاص؟.
لقد استطاعت هذه النظرية أن تتوصل في نتائجها الى الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال وضع أساليب جديدة في التعاقد مع العمال والموظفين في مختلف المؤسسات تهدف الى مكافأتهم بشكل أكثر فعالية وتؤدي الى رضاهم الذاتي ,وأيضا الى إرساء آليات تسمح بقياس الأداء المهني في المؤسسات بصفة عادلة عبر معايير أكثر دقة وموضوعية .
كما توصلت هذه النظرية الجديدة الى تحديد علاقة التعاقد السليمة والصحيحة بين العمال ومؤسساتهم وتوصيف الظروف الملائمة لخصخصتها ومساعدتها على الاختيار بين إسناد بعض عمليات الإنتاج بها الى جهات خارجية أو إبقاءها تحت سيطرتها, وكذلك تبيان الأسلوب الأنسب في الاعتماد على التمويل بالأسهم أو بالقروض.
إنه بفضل هذه النظرية التي تم تطبيقها في العديد من الشركات الكبرى في بعض الدول المتقدمة وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليابان قد جعلتها تحقق نتائج وأرباحا كبيرة ونجاحات باهرة محققة بذلك تحولا جوهريا في اتجاهاتها نحو محيطها الداخلي المتمثل في العمال والموظفين والخارجي المرتبط بالمجتمع الذي تنشط فيه معلنة بذلك نهاية زمن التعاقد مع العمال بالراتب الثابت وبداية التعاقد بالراتب المتغير عبر التحفيز والتشجيع والمكافأة, ودفعت بذلك العديد من كليات الاقتصاد المرموقة في العالم لاعتماد هذه النظرية في خططها الأكاديمية ليتم تدريسها للطلاب وتوسيع استخداماتها في مختلف المؤسسات بتعدد أنواعها وأشكالها.
وعلى هذا الأساس فمن الضروري على إدارات وأجهزة الموارد البشرية في مختلف المؤسسات الاقتصادية في مجتمعاتنا أن تطبق هذه النظرية التي اثبتت نجاعتها ودورها الفعال في تحقيق المردودية الإنتاجية والفعالية الربحية للمؤسسات في الأسواق وهذا يتوافق مع الاستراتيجيات الحديثة في التوظيف وخاصة تحقيق الرضى الوظيفي للعامل أو الموظف والذي بدوره سيساهم بشكل مباشر في استقرار وتطوير منظومة العمل التي تمثل الدعامة الأساسية للتنمية المستدامة في المجتمع.